أم الشهداء الخنساء
هي : تماضر بنت عمرو، بن الحارث، بن الشريد، بن ثعلبة بن عصية بن خفاف بن امرئ آلاف بن بهثة بن سليم السلمية.
قيل لجرير الشاعر: من أشعر الناس.
قال: أنا لولا الخنساء، قيل: لما فضلتها قال لقولها:
إن الزمان وما يفنا له عجب.......... أبقى لنا ذنبا واستأصل الرأس
إن الجديدين في طول اختلافهما........ لا يفسدان ولكن يفسد الناس
قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قومها من بني سليم ، فأسلمت معهم ، فذكروا أن رسول الله - ص- كان يستنشدها ويعجبه شعرها، وكانت تنشده وهو يقول:"هيه يا خناس ويومىء بيده".
قالوا: وكانت الخنساء تقول في أول أمرها البيتين أو الثلاثة، حتى قتل أخوها شقيقها معاوية بن عمرو، وقتل أخوها لأبيها صخر، وكان أحبهما إليها لأنه كان حليما جوادا محبوبا في العشيرة كان غزا بني أسد فطعنه أبو ثور الأسدي طعنة مرض منها حولا، ثم مات فلما قتل أخواها أكثرت من الشعر فمن قولها في صخر وهو أحبهما إليها:
أعيني جوادا ولا تجمدا............ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل........ ألا تبكيان الفتى السيدا
طويل النجاد رفيع العماد......... ساد عشيرته أمردا
وقالت فيه أيضا:
أشم أبلج يأتم الهداة به............كأنه علم في رأسه نار
وإن صخرا لمولانا وسيدنا.........وإن صخرا إذا ما أشتوا لنحار
وقالت ترثي أخاها معاوية:
ألا لا أري في الناس مثل معاوية.............إذا طرقت إحدى الليالي بداهية
بداهية يضفي الكلاب حسيسها.............وتخرج من سر النجي علانية
وكان لزاز الحرب عند نشوبها..............إذا شمرت عن ساقها وهي ذاكية
وقواد خيل نحو أخرى كأنها................سعال وعقبان عليها زبانية
فأقسمت لا ينفعك دمعي وعولتي..........عليك بحزن ما دعا الله داعية
أجمع أهل العلم بالشعر أن لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها.
وفي معركة القادسية كانت الخنساء بنت عمرو السلمية ومعها بنوها أربعة رجال، فذكر موعظتها لهم وتحريضهم على القتال وعدم الفرار، وفيها: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين وإنكم لبنوا أب واحد وأم واحدة ما هجنت آباءكم ولا فضحت أخوالكم، فلما أصبحوا باشروا القتال واحدا بعد واحد حتى قتلوا، وكان منهم أنشد قبل أن يستشهد رجزا فأنشد الأول:
يا إخوتي إن العجوز الناصحه..... قد نصحتنا إذ دعتنا البارحه.....بمقالة ذات بيان واضحه..... وإنما تلقون ثم الصائحه....من آل ساسان كلابا نابحه .
وأنشد الثاني:
إن العجوز ذات حزم وجلد.......قد أمرتنا بالسداد والرشد
نصيحة منها وبرا بالولد.......... فباكروا الحرب حماة في العدد
وأنشد الثالث:
والله لا نعصي العجوز حرفا...... نصحا وبرا صادقا ولطفا
فبادروا الحرب الضروس زحفا....حتى تلفوا آل كسرى لفا
وأنشد الرابع:
لست لخنساء ولا للأخرم................ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم....... ماض على الهول خضم حضرمي
ثم تقدم فقاتل حتى قتل:
قال: فبلغها الخبر، فقالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
وكان عمر بن الخطاب يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة، لكل واحد مائتا درهم، حتى قبض.
وتوفيت الخنساء بالبادية في أول خلافة عثمان بن عفان - رضي الله عنهم - سنة 24هـ.
أحبتي وددت أن أدرج هذا الموضوع هنا لنعلم كيف غير تفكير الخنساء في الإسلام، فبينما رأيناها تندب أخاها صخرا وترثيه في الجاهلية حزنا وكمدا، كيف صبرت في الإسلام على فقد فلذات كبدها الأربع......
فالنساء محاضن لتربية الجيل والأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعبا طيب الأعراق.